الدوحة في 16 يونيو /قنا/ رحبت وزارة التجارة والصناعة في دولة قطر بالحكم الصادر اليوم، عن منظمة التجارة العالمية ضد انتهاكات المملكة العربية السعودية لحقوق الملكية الفكرية بسبب رفضها اتخاذ إجراءات ضد قناة القرصنة "بي آوت كيو" وتشجيعها هذه القرصنة.
وخلصت منظمة التجارة العالمية إلى أن المملكة العربية السعودية قد خالفت التزاماتها بموجب اتفاقية المنظمة المعنية بجوانب حقوق الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة (اتفاقية تربس)، وأنها فشلت في حماية حقوق الملكية الفكرية حين رفضت اتخاذ إجراءات ضد القرصنة المعقدة التي قامت بها قناة "بي آوت كيو" انطلاقا من السعودية، وقيامها فوق ذلك بدعم وتشجيع هذه القرصنة.
وطلبت لجنة فض النزاع من السعودية وضع حد لإساءة استخدامها لحقوق الملكية الفكرية و"تصحيح تدابيرها حتى تصبح متوافقة" مع قانون منظمة التجارة العالمية.
وهذه هي المرة الأولى في تاريخ منظمة التجارة العالمية والمنظمة السالفة لها (الجات) -أي على مدى 73 عاماً- التي ترفض فيها لجنة تحكيم في المنظمة محاولة المدعى عليه التذرّع في دفاعه باستثناء الأمن القومي. ورأت لجنة فض النزاع أن تقاعس المملكة العربية السعودية عن اتخاذ إجراءات جنائية ضد "بي آوت كيو" لم يكن مرتبطا بأي مصلحة أمنية مشروعة، لدرجة أن السعودية لم تستطع حتى أن تستوفي "الحد الأدنى من متطلبات المصداقية فيما يتعلق بالمصالح الأمنية الأساسية التي تذرعت بها".
وفي تعليقه على قرار منظمة التجارة العالمية، أكد سعادة السيد علي بن أحمد الكواري وزير التجارة والصناعة في تصريح لوكالة الأنباء القطرية /قنا/، أن دولة قطر تسجل اليوم، مع أصحاب الحقوق الدوليين، انتصاراً مدوياً.
وقال سعادته: "ننتظر من المملكة العربية السعودية، خاصة وأنها ستستضيف الاجتماع القادم لمجموعة العشرين، أن تحترم هذا القرار الحاسم وأن تقوم في الحال بوضع حد لسرقة حقوق الملـكية الفكرية وقرصنتها، ويمكن أن يبدأ ذلك بالإذعان لقرار منظمة التجارة العالمية واتخاذ إجراءات قانونية منصفة وشفافة وفي الوقت المناسب ضد الجناة من أجل وقف هذه الانتهاكات في أسرع وقت".
ويأتي هذا الحكم من منظمة التجارة العالمية بناء على الدعوى الرسمية التي قدمتها دولة قطر ضد المملكة العربية السعودية أمام هيئة تسوية المنازعات في المنظمة.
وأكدت لجنة فض النزاع في تقريرها الذي تم تعميمه اليوم أن قناة "بي آوت كيو" قامت بقرصنة المحتوى الإعلامي المحمي بحقوق النشر لمجموعة "بي ان" داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، بما في ذلك من خلال بيع اشتراكات وأجهزة فك التشفير لقناة "بي آوت كيو" في العديد من منافذ البيع في أنحاء المملكة العربية السعودية.
وذكر التقرير أنه بالإضافة لقرصنتها للمحتوى الرياضي المملوك لـ"بي ان" أو المرخص لها، مكنت أجهزة "بي آوت كيو" مستخدميها من الوصول إلى آلاف الأفلام والبرامج التلفزيونية والقنوات التلفزيونية المقرصنة من جميع أنحاء العالم، وأنه جرى بث عمليات القرصنة عبر ترددات القمر الصناعي السعودي عربسات، كما أن الشركة السعودية "سيلفيجن" قد سمحت أو ساعدت "بي آوت كيو" في بث محتواها المقرصن عبر القمر الصناعي عربسات.
كما لفت التقرير إلى أن قرصنة "بي آوت كيو" قد تمت على "نطاق تجاري"، وتوصلت لجنة فض النزاع لذلك بعد اطلاعها على الأدلة التي كشفت الهدف التجاري لقناة بي آوت كيو مثل بيع الإعلانات والتسويق المكثف لخدمات هذه القرصنة.
وأكد التقرير أيضا وجود ثغرات عميقة وجوهرية في التزام المملكة العربية السعودية بتوفير إجراءات إنفاذ تتماشى مع اتفاقية منظمة التجارة العالمية المعنية بجوانب الملكية الفكرية ذات الصلة بالتجارة، كما رفضت السعودية إجراء أي محاكمة جنائية فعلية ضد "بي آوت كيو"على الرغم من علمها الكامل "بمجموعة الدلائل الواسعة التي يمكن الاستنتاج منها أنه قد جرى تشغيل "بي آوت كيو" من قبل أفراد أو كيانات خاضعة للولاية الجنائية للمملكة العربية السعودية.
وأشار تقرير اللجنة أيضا إلى أن السعودية قيدت أو أحبطت قدرة بي ان على متابعة الدعاوى المدنية أمام المحاكم السعودية، وانخرطت كذلك في رعاية التجمعات العامة المرافقة لعروض "بي آوت كيو" غير المرخصة بما في ذلك التجمعات المصاحبة لعروض كأس العالم 2018 .
كما أظهر التحليل الذي أجرته لجنة فض النزاع كيف أنّ المملكة العربية السعودية، ومن خلال سماحها بانتشار السرقة والقرصنة التي قامت بها "بي آوت كيو" دون رادع ولعدة سنوات، قد انتهكت التزاماتها بموجب اتفاقية (تربس) والتي توجب عليها حماية حقوق الملكية الفكرية للمواطنين القطريين وأيضا حقوق الملكية الفكرية لعدد من الجهات العالمية البارزة في مجال الرياضة والترفيه من شركائها التجاريين الآخرين، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وذلك رغم الشكاوى التي قدمتها حكومات هذه الدول والشكاوى التي قدمتها كذلك بعض أشهر النقابات وإدارات الدوريات الرياضية وشركات الإعلام حول العالم.
وسيتوجب على المملكة العربية السعودية، بناء على هذا الحكم، أن تذعن لطلب لجنة فض النزاع في منظمة التجارة العالمية لوقف إساءة استخدامها لحقوق الملكية الفكرية وأن تصحح تدابيرها حتى تصبح متوافقة مع التزاماتها بموجب اتفاقية تربس.
ورغم أن تركيز هذا النزاع أمام لجنة فض النزاع التابعة لمنظمة التجارة العالمية على الانتهاكات المتعلقة بالملكية الفكرية، إلا أن النتائج التي توصلت إليها الجنة قد سلطت الضوء أيضاً على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكبها السعودية ضد القطريين.
وفي هذا الإطار توصلت لجنة فض النزاع إلى أن المملكة العربية السعودية "قد طلبت من القطريين، سواء المقيمين منهم أو الزائرين، مغادرة الأراضي السعودية" مع إعطائهم مهلة لمدة أسبوعين فقط، ودون أي ذنب سوى أنهم قطريون، كما فرضت قيودًا تمنع القطريين من السفر أو المرور عبر الأراضي السعودية.
كما سلطت لجنة فض النزاع الضوء على أن إجراءات التمييز على أساس الجنسية كانت بتفويض من قبل الحكومة السعودية، حيث رأت اللجنة "وجود تدابير عامة لمكافحة التعاطف عززت بشكل مباشر أو غير مباشر مناخاً من عدم التعاطف مع قطر والمواطنين القطريين."
تجدر الإشارة إلى أن دولة قطر كانت قد شرعت في العديد من الإجراءات القانونية الأخرى، سواءً في منظمة التجارة العالمية أو في المحاكم والهيئات القضائية الدولية الأخرى، ضد الإجراءات غير القانونية التي اتخذتها كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ شهر يونيو 2017. وستواصل دولة قطر مطالباتها بالعدالة عبر هذه الوسائل القانونية، مع استمرار وفائها بالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
يشار إلى أنه خلال اجراءات المحاكمة في منظمة التجارة العالمية قدم عدد من أعضاء المنظمة العالمية مرئياتهم وملاحظاتهم إلى لجنة فض النزاع لدعم جوانب من موقف دولة قطر وذلك بصفتهم أطراف ثالثة في القضية.
وفي هذا الاطار شدد الاتحاد الأوروبي على أنه تماشياً مع أحكام منظمة التجارة العالمية، "يجب ألا يتم توفير الإجراءات والعقوبات الجنائية على الورق فقط، بل يجب أن تكون هذه الإجراءات فعالة من الناحية العملية" كما أشارت كل من البرازيل والاتحاد الأوروبي إلى الأضرار التي لحقت بأصحاب الحقوق لديهم من جراء هذه القرصنة.
وشددت كل من البرازيل وكندا والاتحاد الأوروبي واليابان وروسيا وسنغافورة وأوكرانيا على أن احتجاج المملكة العربية السعودية بذريعة الأمن القومي يجب ألا يمر دون مراقبة قضائية.
واعتمد تقرير لجنة فض النزاع على الأدلة المستفيضة التي قدمتها قطر إلى اللجنة ضمن العديد من مذكرات الدفاع والمرافعات، وذلك بالرغم من المحاولات العديدة للمملكة العربية السعودية لدحض هذه القضية.